سوريا في مهب الحرب الإسرائيلية الإيرانية- التحديات والاحتياطات

المؤلف: عمر كوش08.27.2025
سوريا في مهب الحرب الإسرائيلية الإيرانية- التحديات والاحتياطات

إن الحرب الدائرة رحاها بين إسرائيل وإيران تختلف جوهريًا عن كل الصراعات السابقة التي شهدتها المنطقة. فهي ليست كالحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، أو عدوانها على "حزب الله" في لبنان، ولا تشبه حرب الخليج الأولى، أو الغزو الأميركي الغاشم للعراق، أو حتى الحرب الطويلة بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الماضي.

لقد تجاوزت هذه المواجهة النمط التقليدي للحروب بالوكالة، واتخذت طابعًا مباشرًا وصِدامًا مكشوفًا. ولا يمكن اختزالها في مجرد تبادل للردع والانتقام، بل هي حرب فريدة وغير مألوفة، تحمل في طياتها تداعيات جسيمة على دول وشعوب المنطقة. إنها صراع محموم على النفوذ الإقليمي، حيث تسعى إسرائيل جاهدة لترسيخ هيمنتها المطلقة كقوة لا تقهر. ففي حال تمكنت من إلحاق الهزيمة بإيران، ستتصدر المشهد كقوة عظمى ذات الكلمة الفصل في المنطقة.

الرؤية السورية

من الطبيعي أن يكون الشعب السوري منخرطًا في متابعة تطورات هذه الحرب، وأن تتباين مواقفه تجاهها. فبينما يلتزم البعض الحياد واللامبالاة، يترقب آخرون بشغف نتائج هذه المواجهة المتصاعدة. وينتاب الكثيرين قلق بالغ إزاء تداعيات الحرب على بلادهم، التي تخلصت حديثًا من براثن نظام الأسد البائد.

الذي أثار دهشة السوريين، وغيرهم، هو الضعف والوهن الذي تجلى به النظام الإيراني أمام الضربات الموجعة المتتالية وغير المسبوقة التي تلقاها. لم تستهدف هذه الضربات مواقع نووية وعسكرية فحسب، بل طالت قادة من كبار العسكريين في الجيش الإيراني، والحرس الثوري واستخباراته، وفيلق القدس، وعلماء الذرة وغيرهم من الشخصيات الهامة.

الجدير بالذكر هو غياب أي موقف رسمي من الحكومة السورية تجاه هذه المواجهة الشرسة بين إسرائيل وإيران. قد يبدو هذا الموقف مفهومًا للكثير من المراقبين، بالنظر إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه سوريا، والذي ورثته الإدارة الجديدة من النظام السابق. يتطلب هذا الوضع بذل جهود مضنية من أجل التعافي وإعادة إعمار ما خلفه النظام من خراب ودمار.

لذلك، تسعى دمشق جاهدة للنأي بنفسها تمامًا عن هذه الحرب وتداعياتها، لأنه لا مصلحة لسوريا في الانخراط في أي من تفاصيلها. فالأولوية القصوى هي التركيز على إطلاق عجلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، التي باتت تمثل الهاجس الأكبر. وبالتالي، فإن معركتها الأساسية هي في الداخل، من أجل بناء سوريا الجديدة، ويتعين عليها تجنب تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران.

التأثيرات والانعكاسات

تشير الحقائق الميدانية للمواجهة العسكرية الدائرة بين إسرائيل وإيران إلى أنه على الرغم من أن سوريا ليست طرفًا مباشرًا فيها، فإنها قد تكون من بين الدول الأكثر تضررًا منها. لا يقتصر التأثير على المستوى السياسي فحسب، بل يمتد ليشمل المستوى الاقتصادي أيضًا. بات يتعين على الحكومة السورية اتخاذ تدابير عاجلة لمنع ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات في الأسواق السورية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك آثار وخيمة تطال مجمل النشاط الاقتصادي والتجاري في سوريا، وتتجلى في تأجيل زيارات الوفود الاقتصادية والاستثمارية العربية، وإغلاق المجال الجوي في عدة دول في الإقليم، وخاصة الدول المجاورة لسوريا. وقد أدى ذلك إلى توقف الحراك الدولي والإقليمي تجاه سوريا.

مما لا شك فيه أن كل ذلك سيترك بصمات سلبية على عملية إنعاش الاقتصاد السوري المتردي أصلًا بسبب ممارسات النظام السابق.

الأخطر من التداعيات الاقتصادية هي الآثار المرتبطة بموقع سوريا الجغرافي، مما جعلها تعيش بعض فصول المواجهة الإسرائيلية الإيرانية وتداعياتها. وذلك في ظل انتشار مزاعم حول سماح سوريا بفتح مجالها الجوي لاعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وهو الأمر الذي نفته الحكومة السورية بشكل قاطع. وتعتبر أن ما يجري في الأجواء السورية يمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة السورية من كلا الطرفين؛ الإسرائيلي والإيراني. ويتجسد هذا الانتهاك في قيام كل منهما بعمليات عسكرية في الأجواء السورية دون أي تفويض رسمي من السلطات السورية، وهو أمر مرفوض تمامًا، ويتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

الحقيقة المرة هي أن السماء السورية الممتدة فوق المنطقة من محافظة درعا إلى القنيطرة وصولًا إلى محافظة طرطوس، تشهد تصعيدًا غير مسبوق منذ بداية المواجهة. فقد تحولت سماء المنطقة إلى ساحة لعبور عشرات المسيرات والصواريخ، وسقط بعضها في مناطق سكنية، وأخرى في مناطق زراعية.

يضاف إلى ذلك سقوط خزانات وقود الطائرات، وبقايا صواريخ إيرانية تم اعتراضها من قبل الجانب الإسرائيلي، مما خلف ضحايا ومصابين سوريين.

وقد استدعى ذلك توجيه وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح نداءً إلى السوريين في المناطق الجنوبية بـ "عدم التجمهر أو الصعود إلى الأسطح لمراقبة ما يحدث، وذلك حفاظًا على سلامتهم"، مع تحذيرهم من "الاقتراب من أي جسم غريب أو حطام قد يسقط نتيجة الأحداث، وعدم لمسه، وترك التعامل معه لفرق الهندسة أو فرق إزالة مخلفات الحرب، والإبلاغ فورًا عن أي بقايا أو مخلفات حرب".

التدابير والإجراءات

لم تعد سوريا ساحة لتصفية الحسابات والصراعات بين إسرائيل وإيران، كما كان الحال في عهد النظام السابق. فقد انسحبت إيران وميليشياتها من سوريا بشكل نهائي مع سقوط النظام الأسدي، وتغيرت وجهة سوريا بشكل جذري بعد ذلك، وبالتالي تغير شكل المواجهة بين طهران وتل أبيب.

تجلى هذا التغير في الموقف السوري فور وصول الإدارة الجديدة إلى دمشق، حيث أعلنت أنها لن تنخرط في سياسة المحاور الإقليمية. فالتركيز سينصب على إعادة بناء دولة جديدة قادرة على استعادة السيادة الوطنية، وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية احترافية، بعيدًا عن سيطرة الميليشيات أو الجماعات الخارجة عن القانون.

كان من المتوقع أن تحاول بعض الجماعات المسلحة إعادة إشعال فتيل المواجهة مع إسرائيل في الجنوب السوري، بهدف خلط الأوراق، بالنظر إلى أن إسرائيل تعتبر ذلك أحد خطوطها الحمراء الرئيسية، وتتخذ ذلك ذريعة لشن اعتداءات جديدة على سوريا.

وقد سبق لمجموعة تطلق على نفسها اسم "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا" (أولي البأس) أن أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق مقذوفات صاروخية على منطقة الجولان المحتل من الجنوب السوري في بداية شهر يونيو/ حزيران الجاري، وهو ما اتخذته إسرائيل ذريعة لقصف مواقع في الجنوب السوري.

ومن أجل منع تكرار مثل هذه المحاولات، اتخذت الحكومة السورية مجموعة إجراءات أمنية واحتياطات عسكرية، بهدف الحفاظ على الساحة السورية هادئة، وإبعادها عن ألسنة اللهب المتبادلة عبر سمائها بين إيران وإسرائيل. ومع ذلك، تخشى الحكومة السورية من أن تستغل خلايا نائمة تابعة لإيران الوضع الجديد لإشعال مواجهة مع إسرائيل.

لم تقتصر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية على المنطقة الجنوبية في سوريا فحسب، بل أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع كل من العراق ولبنان منذ بدء الحرب الإسرائيلية الإيرانية، تحسبًا لما قد تقوم به خلايا ومجموعات تابعة لإيران. حيث كشفت التطورات الأخيرة أن بقاياها ما تزال موجودة، ولم تتوقف عن محاولاتها لتهريب الأسلحة والمخدرات، ونفذت بعض العمليات في الآونة الأخيرة في محافظة دير الزور، والمناطق الحدودية مع العراق ولبنان.

وبالتالي، فإن الحكومة السورية مضطرة لتخصيص جزء من قدراتها من أجل تأمين الحدود، ومنع امتداد تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى الداخل السوري، لأن ذلك قد يؤدي إلى حدوث خلل في الوضع الأمني، ويمكن لقوى عديدة استغلاله من أجل زعزعة الاستقرار في سوريا.

المسار السياسي

على الصعيد السياسي، يبرز الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس السوري أحمد الشرع بعد اندلاع المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، حيث ركز فيه على نقطتين جوهريتين؛ أولاهما ضرورة تحييد سوريا عن هذا الصراع الإقليمي، والثانية توخي المزيد من الحذر في ظل الظروف الراهنة، كي لا تستغل التنظيمات المتطرفة أو "العناصر الإرهابية" حالة الفوضى لتوسيع نشاطها في سوريا والمنطقة.

تتجلى أهمية اتصال أردوغان بالشرع في أنه جاء بعد سلسلة اتصالات أجراها مع قادة في دول العالم، وخاصة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما يعكس وجود توافق أميركي تركي حول ضرورة إبعاد سوريا عن الصراع الدائر في المنطقة.

يتلاقى ذلك مع توجه الحكومة السورية للنأي بنفسها عن الصراع، والعمل على منع انعكاساته على الداخل السوري، وهو الأمر الذي أتاح لها التنسيق مع تركيا من أجل إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع كل من العراق ولبنان، وبما يتماشى مع رغبة الولايات المتحدة، مما يصب في صالح التقارب السوري الأميركي، خاصة بعد رفع العقوبات الأميركية عنها وتطبيع العلاقات.

ولا يغيب كل ذلك عن المشهد العام للمتغيرات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، وإعادة اصطفاف القوى فيه وفقًا للمعطيات الجيوسياسية الجديدة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة